إذا كان الطب الحديث قد أثبت أفضلية حليب الأم كغذاء رئيسي(وواحد في الأشهر الأربعة الأولى) للطفل الرضيع, فإن دين الإسلام الحنيف قد حث على الرضاعة, فهي من المستحبات الأكيدة التي تؤجر عليها الأم في حال القيام بها.
ونجد نصوصا كثيرة في القرآن الكريم وفي أحاديث نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام تحث على الرضاعة وتؤكد حسناتها وثوابها.
في القرآن الكريم يأتي ذكر الرضاعة في سورة البقرة. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
(والولدت يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة).
عن أبي عبد الله عليه السلام قالالولدت يرضعن أولدهن...) قال: ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية, فإذا فطم فالأب أحق به من الأم, فإذا فات الأب فالأم أحق به من العصبة, وإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الأم لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها إلا أن ذلك خير له وارفق به أن يترك مع أمه). تثبت هذه الآية الكريمة وطبقا لتفسير الأئمة الأطهار عليهم أفضل الصلاة والسلام أن الأم أحق بحضانة الولد من الأب حتى يفطم ولو طلبت اجرا على الرضاعة(!!) إلا أن تطلب اجرا زيادة عن غيرها من المراضع.
فعن أبي عبد الله عليه السلام قالإذا طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها, وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها إلا أن يجد من هو أرخص أجرا منها, فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه). وهذا فيه تأكيد على أهمية الرضاعة في الإسلام وأنه أوجب لها أجرا(ماديا) إن هي أحبت وإلا فالأجر والثواب في الآخرة أعظم وأكبر.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بلى إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله, فإذا وضعت كان لها من الأجر ما لا يدري أحد ما هو لعظمه, فإذا أرضعت كان لها بكل مصة كعدل عتق محرر من ولد إسماعيل, فإذا فرغت من رضاعة ضرب ملك كريم على جنبها وقال: استأنفي العمل فقد غفر لك).
وهل بعد هذا تردد في استحباب إرضاع المرأة لطفلها وما له من أجر وثواب عظيم عند الله تعالى وهل مثل هذا العمل العظيم بأجره وثوابه يمكن رفضه وتركه؟؟
ومما لا شك فيه أن الواجبات والمستحبات إنما وضعها الله جل شأنه لمصلحة عباده, فهو أعلم بما يفيد الناس وما يضرهم وهو علام الغيوب الغني الحميد. فليس من شأنه تعالى أن يأمر بما يضر عبده ولا يفيد.
قال تعالى في كتابه الكريموالضحى، والليل إذا سجى, ما ودعك ربك وما قلى, وللأخرة خير لك من الأولى, ولسوف يعطيك ربك فترضى, ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى, ووجدك عائلا فأغنى, فأما اليتيم فلا تقهر, وأما السائل فلا تنهر, وأما بنعمة ربك فحدث). في هذه السورة الكريمة يخاطب الله تعالى رسوله الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخطاب العظيم, ولا يسع الإنسان المؤمن إلا أن يستشعر الرحمة والرأفة الطاغية من خلال هذا الخطاب ليس فقط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل بجميع خلقه!!
فهو الرب وهم المربوبون, وهو الخالق وهم المخلوقون, وهو الرازق وهم المرزوقون وهو الغني وهم الفقراء إلى الله الملك القدوس أرحم الراحمين وأوسع المعطين.
فكيف يترك عبده دون ارشاده إلى ما فيه مصلحته ومنفعته وهو العالم غير المعلم؟!
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالليس للصبي خير من لبن أمه). عن أمير المؤمنين (عليه السلام)ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه). هذا هو الإسلام دين الهدى والحق, والدين يعني الطريقة وما ترك الإسلام أمرا حسنا إلا وأمر به, ولا أمرا مشينا أو ضارا إلا ونهى عنه, وهذا ما أثبته العلم الحديث في مواقع عديدة, وإن كان ا زال هناك الكثير الكثير الذي لم يصل إليه العلم الحديث بعد.
قال الله تعالى في كتابه المنزلعالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا, إلا من ارتضى من رسول). وفي باب استحباب إرضاع الطفل من الثديين لا من أحدهما نقل عن أم إسحاق بنت سليمان قالت:
نظر إلي أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا أرضع أحد ابني محمد أو إسحاق فقال: (يا أم إسحاق, لا ترضعيه من ثدي واحد وارضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا).
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا وقع الولد في بطن أمه- إلى أن قال: - وجعل الله تعالى رزقه في ثديي أمه في أحدهما شرابه وفي الآخر طعامه).
وهذا ما وصل إليه العلم الحديث بعد قرون.
أما المقصود بطعامه وشرابه فربما لأن غلظة الحليب تتفاوت من بدء الإرضاع إلى نهايته, إذ يكون في نهاية الإرضاع غنيا بالاحماض الدهنية وهي التي تشبع المولود, وبعدها تنتقل الأم الذي يكون اقل غلظة في البدء فيكون شرابا له, والله العالم.
وكما كانت هذه الأحاديث والروايات غير واضحة ومفهومة قبلا (أي لماذا هذا حرام ولماذا هذا مكروه أو مستحب) وفي عصرنا هذا أوضح العلم الكثير من هذه المسائل, فما زال هناك الكثير مما لم يصل إليه العلم بعد, وهذا هو الإعجاز في القرآن الكريم والأحاديث والروايات المسندة عن الرسول الأكرم وأهل بيت العصمة عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وعن مدة الرضاعة نقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله: الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهرا, فما نقص عن أحد وعشرين شهرا فقد نقص المرضع, وإن أراد أن يتم الرضاعة فحولين كاملين).
عن أبي عبد الله عليه السلام حين سئل عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية أترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته قال (عليه السلام): (ترضعه لك اليهويدة والنصرانية في بيتك وتمنعها من شرب الخمر وما لا يحل مثل لحم الخنزير ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن, والزانية لا ترضع ولدك فإنه لا يحل لك والمجوسية لا ترضع لك ولدك إلا أن تضطر إليها).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعدي).
ومع أنه في أيامنا هذه من النادر أن تلجأ المرأة إلى أخرى كي ترضع لها ولدها, إلا أننا ذكرنا هذه الأحاديث الشريفة لما ورد فيها من أن اللبن يعدي(أي قد ينقل بعض الأمراض), وأن الكثير من المأكولات والمشروبات(أو الأدوية) قد تتمثل في الحليب وهذا ما أثبته العلم الحديث من أن المرضع يجب أن تنتبه لما تأكل وتشرب فإنه يتمثل في الحليب وقد يؤدي إلى ضرر الرضيع.
عن علي (عليه السلام) كان يقول: (تخيروا للرضاع كما تخيرون للنكاح, فإن الرضاع يغير لطباع).