الزواج والترغيب فيه
هذا وان حديثنا ما زال عن السؤال الذي طرحناه في الحلقة الماضية ، متى تكون السعادة الزوجية ؟ وكما قلت إن السعادة الزوجية لا تكون إلا إذا استوفت جميع الشروط وأولها الزواج الشرعي ، وقد توقفنا في الحلقة السابقة عن حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الزواج والترغيب فيه ، وبكون الزوجة سكنا للزوج وحرثا له وهي شريكة حياته وربة بيته ، وأم لأولاده ، ومهوى فؤاده ، وموضع سره ونحوها ، وهذا الركن الذي نتحدث عنه هو من أهم الأركان في تأسيس الأسرة هو اختيار الزوجة الصالحة لان الإسلام جعلها خير متاع ينبغي التطلع إليه والحرص عليه ، فهي تكون إن شاء الله تعالى المنجبة للأولاد , وعنها يرثون كثيرا من المزايا والصفات , وفي أحضانها تتكون عواطف الطفل وتربي مكانه ويتلقى لغته ، ويكتسب كثيرا من تقاليده وعاداته ، ويتعرف دينه ويتعود السلوك الاجتماعي فهذا الشرط مهم للغاية بالنسبة للرجل قبل ان يشرع للزواج ان أراد العيش السعيد في الحياة الزوجية ، ولا يغتر في ما يفعلن بعض فتيات عصرنا هذا من تسريحات ماجنة ، وأصباغ محرمة ، ولباس فاضح ، كاسيات عاريات ومثل تلك الفتيات الزواج منهن لا يدوم فقط متعه قليلة ويتعقبها طلاق ، وأوصيك أيها الشاب بان تختار الزوجة الصالحة ، وكذلك لا يقتصر الحديث للرجال فحسب فمن أركان الزواج أيضا أن تختار المرأة الزوج الصالح الذي يعينها عن رغد العيش في هذه الحياة الدنيا لان الذئاب البشرية الدين يصطادون الفتيات المؤمنات كثيرين ، فالحذر ثم الحذر يا أمة الله بأن تتورطي في شباك هؤلاء الصيادين وفي حبائل ألسنتهم المصحوبة بالكلام اللين وعيونهم البراقة ، ويغرونك بملابسهم المزهلقة ، وعطرهم الفواح ، وسياراتهم المفخمة الحذر ثم الحذر واتخذي عبرة في أخواتك السابقات اللآتي أصبحن ضحية للذئاب البشرية لا راحة لهن ولا استقرار ولا سعادة زوجية ، وأنت يا أيها الأب الحنون اتق الله في بناتك ولا تكلفهن على الزواج إلا برضاهن ، وعليك أن تختار لابنتك الرجل الصالح التقي له دين وخلق وشرف وحسن سمت فإن عاشرها عاشرها بمعروف وإن سرحها سرحها بإحسان ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ـ إذن على كل حال قبل الشروع في الزواج يجب من ولي الأمر أن يختار لابنته الزوج الصالح وكذلك عليه أن ييسر أمر المهر ولا يعسره ، لأن التيسير هو طريق السعادة لابنته بعد الزواج ، ومن أسرار الزواج وحكمه إنجاب الذرية الصالحة بعد الاختيار يقول الله جل جلاله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) بيد أن الإسلام أولى غاية الاهتمام بكيف الذرية وصلاحها والمهر اليسير هو أساس هذا الصلاح يقول الله عز وجل : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن هذا الصداق هو شرط من شروط صحة النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي وصداق وبينة) واعلم أيها الولي إن هذا الصداق هو حق للمرأة المتزوجة وحدها وليس حقا لوليها ولا لأي أحد من أقربائها . مثل ما يفعل البعض بصداق ابنته ، منهم من يقوم بشراء سيارة ، ومنهم من يقوم بزيادة غرف في منزله ، ومنهم من يقوم بتوزيع المهر لأولاده وأقاربه ، ومنهم إذا ابنته تعمل موظفة براتب يزيد على خمسمائة ريال فما فوق أو أقل ، يرغم ابنته قبل الزواج أن تأخذ له قرضا من أحد البنوك المصرفية حجة إنه رباها من صغرها وعلمها ولما تذهب إلى بيت زوجها تكون الفائدة للزوج والأب يصبح خسرانا ، وهذا هو الحاصل في مجتمعنا إلا من رحم الله ووفق في طاعته ورضاه ، هذا المهر المشروع هو شيء يتوقف عليه صحة النكاح ولا اعتبار بكثرته وقلته ، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قال لأحد من الناس أراد أن يزوجه : (التمس ولو خاتما من حديد ، فكل ما يملك ويمكن الانتفاع به يجوز أن يكون صداقا للمرأة ، وليست كثرة صداق المرأة دليلا على قيمتها حسب ما يظن بعض الرجال من أولياء الأمور بل بالعكس ولو كان صداق المرأة رمز قيمتها ، لكانت بنات الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بأن تكون صدقاتهن أكثر الصدقات ، وقد كانت صدقات بناته عليه الصلاة والسلام أيسر الصدقات ، كما كانت صدقات أزواجه عليه أفضل الصلاة والسلام ـ أيضا أيسر الصدقات ، إن في هذا ما يكفى العاقل دليلا على أن صداق المرأة ليس هو رمز لقيمتها إنما قيمتها لو يعلم أولياء الأمور هي العفة والطهارة وتقوى الله ، فالحديث الذي تم ذكره هو دليل على من كان له خلق ودين يزوج ، مع ذلك زاد عليه الصلاة والسلام لمن أبى من أولياء الأمور وقال : إن لم تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، وكذلك فإن التعجيل في الزواج والمسارعة إلى نكاح المرأة شرعه الله في كتابه العزيز حيث قال : (فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) فليس للولي أن يعضل وليته عن الزواج بل ينبغي له أن يسارع إلى تزويجها وأن يجعل صداقها من أبسط المهور حتى يتم تزويجها في أيسر وقت وسبب انحراف البنات وسلوكياتهن ومتاهاتهن في طرقات الذل والهوان هو عرقلة الزواج ، وهو إما أن ينشأ عن الترف الذي انتشر في الأرض وساد بين الناس ، وإما أن يكون ناشئا عن جشع الآباء المالي مع إن الآباء ليس لهم أي حق في صدقات بناتهم والله سبحانه وتعالى قال : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) ولم يقل : وآتوا آباء النساء أو أولياء النساء صدقاتهن نحلة ، بل أمر أن تؤتى النساء صدقاتهن .
فالإسلام دين قيم ولكن الطمع الذي قتل الناس وهو من ساقط المرؤات أن يحرص الأب على المال من خلال تزويجه لكريمته فإن ذلك شيء تأباه المروءة ويأباه الشرف فضلا عن الدين الحنيف ، فيجب على الآباء أن يرعوا عن هذا الجشع الذي أمتلك نفوسهم والذي كان سببا لانتشار الفساد في الأرض .
إذن بعد أن يختار الرجل شريكة حياته ، وبعد أن تختار المرأة شريكة حياتها ، فعلى الأب والأم أن يتشاوروا في أمر الزواج وأن يأخذوا رأي ابنتهم لأن لها الحق وهى أحق بنفسها في أن الولي لا يعقد عليها إلا برضاها ، وإذا تم سؤال البنت ومشاورتها عن الزواج ولم تجب بنعم أو لا بل سكتت فإن علامة سكوتها هو الرضا والاقتناع والرغبة في الزواج لأن الاختيار والمشاورة هذا يكون عند الخطبة وقبل تسليم المهر يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ـ وفي رواية أخرى ( البكر يستأمرها أبوها ) أي يطلب أمرها قبل العقد عليها ـ ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا : يا رسول الله : كيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( آمروا النساء في بناتهن ) والخطبة من مقدمات الزواج ، وقد شرعها الله قبل الارتباط بعقد الزوجية ليتعرف كل من الزوجين صاحبه ويكون الإقدام على الزواج على هدى وبصيرة .
وللحديث بقية .