توقع بعض المحللين - قبل حادثة قافلة الحرية - أن الحكومة المتطرفة في إسرائيل قد تقدم على ضرب مواقع محددة في إيران خلال شهر أغسطس (آب) أو نوفمبر (تشرين الثاني)، ووضع الإدارة الأميركية أمام الأمر الواقع، مصحوبا بضغط من الإعلام والكونغرس على إدارة أوباما لمساندة إسرائيل في مواجهة مختلف ردود الفعل. لكن ما حدث صباح الاثنين مع قافلة الحرية في المياه الدولية، وما أثاره سلوك إسرائيل العدواني من تنديد عالمي واسع النطاق، قد يجبرها على تجميد أجندتها، ولو بصورة مؤقتة، فليس بمقدور هذه الحكومة الإسرائيلية التي أغرقت الكثير من أوراق لعبتها في مياه المتوسط أن تجرؤ على ارتكاب مغامرة جديدة بحجم ضرب إيران.
نعم، استطاعت الحكومة الإسرائيلية منع قافلة الحرية من الوصول إلى غزة، ولكنها لم تستطع منع تداعياتها من إيصال قضية غزة إلى فكر ووجدان الملايين حول العالم. لقد ارتكبت إسرائيل الخطأ الفادح الذي أسقط القناع عن وجهها الحقيقي، فبدت عارية أمام عيون خصومها وأصدقائها، وأشعر أنها المرة الأولى التي تواجه فيها مثل هذا الغضب العالمي، وعبرت مجلة «شبيغل» الألمانية بدقة عن ورطة إسرائيل، حينما قالت: «إسرائيل وقعت في الفخ»، وإن حادثة قافلة الحرية شكلت كارثة سياسية بالنسبة لإسرائيل.
وممن خسرتهم إسرائيل في هذه المواجهة تركيا، فالشوارع التركية تغلي بالغضب تجاه إسرائيل، لأن التقارير تشير إلى أن جل الضحايا من الأتراك، وتعكس النبرة التي تحدث بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، واعتباره ما قامت به إسرائيل إرهاب دولة، وأن بلاده لن تقف مكتوفة اليدين، السيكولوجية التركية، التي تتسم بالحساسية المفرطة تجاه كل من يحاول الاستهانة بها، وبقوتها، وبدورها الذي يزداد فعالية في الأعوام الأخيرة.
المرحلة الحالية هي مرحلة صراع الإعلام، وصراع الدبلوماسية، فإسرائيل بدأت في تحريك ماكينتها الدبلوماسية وأذرعها الإعلامية، في محاولة مستميتة لتبرير جريمتها بأن لجوء جنودها إلى استخدام أسلحتهم جاء دفاعا عن النفس، وأن ركاب سفن قافلة الحرية كانوا السباقين إلى العنف، لكن يبدو أن مهمة إسرائيل ليست سهلة، فخصومها ليسوا الفلسطينيين وحدهم هذه المرة، ولكن عشرات الدول التي ينتمي إليها أعضاء قافلة الحرية.
فهل يكون لسان حال سكان قطاع غزة المحاصرين، وهم يسكبون أحزانهم على الضحايا: اشتدّي أزمةُ تفرجي؟